في هذا المقال تتأمل نسرين مالك المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا، وتبدو الاحتجاجات كأنها صرخات لا يسمعها أحد، لكنها تُصر على أن مواصلة الضغط الشعبي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.
وتقول مالك في المقال الذي نشرته الجارديان: "تبدأ الكارثة بموت الأطفال أولًا. أجسادهم الصغيرة تحتاج تغذية أكثر من البالغين، ومناعتهم غير مكتملة. الإسهال يقتلهم، وجروحهم لا تلتئم، وأمهاتهم الجائعات لا يستطعن إرضاعهم. يموتون بمعدل ضعف البالغين. خلال 72 ساعة الأسبوع الماضي، فقدت غزة 21 طفلًا بسبب الجوع، في وقت يتجاوز فيه عدد القتلى بسبب الجوع وحده 100 شخص، من بينهم 80 طفلًا".
الأطفال يتمنّون الموت لأن “في الجنة طعام” – هكذا روى أحد عمال الإغاثة. طريق الموت بالجوع طويل ومؤلم، ولا تفتقر غزة للطعام فقط، بل للدواء والمأوى والمياه النظيفة. منظمة الصحة العالمية وصفت المجاعة بأنها صُنعت بأيدٍ بشرية، لكنها ليست مجرد نتيجة، بل قرار متعمّد ومتوقَّع. الحصار الإسرائيلي يمنع دخول المساعدات أو إيصالها إلى مستحقيها. أما “الوقفات التكتيكية” اليومية التي تسمح ببعض شاحنات المساعدات، فهي لا تغير واقعًا تراكم عبر شهور.
مأساة بلا كلمات كافية
ما يحدث في غزة يفوق القدرة على الوصف. إبادة جماعية؟ تطهير عرقي؟ عقاب جماعي؟ لا تكفي هذه الكلمات لتوصيف قتل الفلسطينيين في بيوتهم وخيامهم، حرقًا في أسِرّتهم، رميًا بالرصاص وهم في طوابير الإغاثة، أو الآن جوعًا. يمكن رؤية عظام طفل بارزة تحت جلده، بينما تقف شاحنات الطعام خلف الحواجز الإسرائيلية.
الوقت لم يعد يحتمل تبريرات أو نقاشات لغوية. السؤال الحقيقي الآن: لماذا لا ينجح العالم في إدخال قطعة خبز إلى فم مدني يتضوّر جوعًا؟ كيف لا تزال حكومة إسرائيل تحظى بالعلاقات والدعم والتطبيع؟ كيف يواصل قادة مثل ديفيد لامي الاكتفاء بـ"الحث" على التغيير؟ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وصفت الصور بأنها "لا تُحتمل"، لكنها اكتفت بالدعوة للسماح بإدخال المزيد من المساعدات، وهو ما وصفه مسؤول في أوكسفام بأنه خطاب "فارغ ومحير".
سياسة الإنكار
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يُظهر أي نية للتراجع. وزير في حكومته قال مؤخرًا إن "لا دولة تُطعم أعداءها"، وإن الحكومة تتجه إلى "محو غزة" و"طرد سكانها" الذين نشأوا على أفكار "كفاحي". لا هدف استراتيجي ظاهر سوى إدامة العدوان، وربط البقاء السياسي لنتنياهو باستمرار الحرب.
وفي ظل تصاعد الفظائع، تتزعزع مفاهيم العالم، وتنكشف هشاشة الدعم التقليدي لإسرائيل. تتزايد الفجوة بين المواقف الرسمية والرأي العام. حتى تصريحات كير ستارمر الأخيرة لا تُفسَّر إلا كاستجابة اضطرارية لضغط الشارع البريطاني.
لكن تلك التصريحات جزء من مسرحية دولية لإبقاء إسرائيل في موقع "الفاعل الأخلاقي" رغم الانتهاكات. كل تصعيد إسرائيلي يولّد موجة تنديد جديدة، لكن الفعل لا يأتي أبدًا. العالم عالق في لحظة دائمة من التهديد باتخاذ موقف، دون أن تُتخذ قرارات حقيقية. تذهب صور الأطفال الجوعى من العناوين، وتعود إسرائيل لتقديم خطوات رمزية مثل "الوقفات التكتيكية"، التي لا تمس جوهر الحصار والقتل اليومي.
لماذا نواصل الاحتجاج؟
قد تبدو الاحتجاجات صراخًا في فراغ، لكنها الوسيلة الوحيدة للضغط على الحكومات. وصول بضع شاحنات مساعدات إلى غزة كان نتاج هذا الضغط الشعبي، لا أي نية إنسانية من الاحتلال. ما يمكن أن يُنجزه الغضب العام يعتمد على استمراريته.
لكن هذه المواجهة الطويلة أصابت الوعي الجمعي بإرهاق عقلي. يُقال لنا إن الوضع لا يمكن أن يستمر، ثم تستمر الأمور وتزداد سوءًا. كلما بدا أن "العقلانية" اقتربت، تتراجع من جديد.
الغرض من هذا التلاعب هو تهدئة الناس عبر وعود وهمية، أو شتّات رمزي مثل الحديث عن "الاعتراف بدولة فلسطينية". هذه ليست مكاسب، بل خدع إعلامية لتسكين الغضب. الواقع أن الأبرياء يموتون جوعًا الآن. وكل ما هو دون الفعل، ليس سوى ضوضاء.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/28/gaza-israel-aid-starvation-children